التقييم التربوي : من الملاحظة إلى التأويل
تمهيد :
لا يكفي تصنيف وظائف التقييم التربوي إلى
تقييم تشخيصي وتقييم تكويني وتقييم إجمالي، لإعطاء نظرة شمولية بخصوص مختلف
الأعمال والأنشطة التي يتضمنها في الأوساط التعليمية والتي تهم مجال القياس وتقييم
التعلم لدى التلاميذ.من المعلوم أن التقييم ينطوي على حكم نوعي يلازمه بدرجات
مختلفة الإحساس بالرضى أو بعدم الرضى من طرف الشخص المقيم.
1- طرق الملاحظة والقياس:
لكن وقبل إصدار الأحكام وأيضا قبل الإحساس
بالرضى أو بعدم الرضى، هناك عمليات أخرى في طور الإنجاز نذكر منها تلك المرتبطة
بالملاحظة والقياس وتأويل ما تمت ملاحظته من أحداث. ففي مجال
المردودية والحصيلة الأكاديمية، تنصب الملاحظة عادة على سلوكات تربوية ناجحة أو
فاشلة تتعلق بإنجاز أعمال جد محددة كاستخراج الفاعل والمفعول به في نص معين ، أو حساب المضاعف المشترك الأصغر لعددين
أو لثلاثة أعداد صحيحة ، إلخ. في حالات وظروف أخرى ستهتم الملاحظة بالتقاط وتسجيل حركة أو
سلوك يعد مؤشرا لصفة معينة.
1-1
مدخل إلى مجال القياس:
ليس كل ما يسبق التقييم التربوي ويؤسس له قياسيا
بمعنى الكلمة. إذ هناك أشكال من الملاحظة تنتمي لمجال التذوق وإصدار أحكام تقييمية
بناء على معطيات نوعية كتذوق الاستماع لمقطع موسيقي أو بلوحة تشكيلية. وهي كلها
سلوكات لا نعتمد فيها على الأرقام للتعبير عن جودتها. إذ عندما نلجأ إلى الأرقام
والأعداد وما يتبع ذلك من حساب نكون قد دخلنا المجال الكمي في التقييم. وتجدر
الإشارة هنا إلى أن تعداد الأحداث أو عد الأشياء جوانب واضحة من المجال الكمي.
وعندما نستطيع نعت موضوع التعداد بتردد وحدة بالمعنى الحسابي، كالمتر بالنسبة
لتعداد المسافات و المساحات، والدرجة بالنسبة
لتحديد الحرارة أو الكيلوغرام بالنسبة لوزن الأشياء، فإننا إذن في وضعية قياس
بمعنى الكلمة. والتعبير عن طول مسافة ما أو درجة الحرارة في مكان معين كلها نتائج
لعمليات قياسية.
1-2
مدخل لشبه القياس :
وعندما لاتتكون وحدات القياس المعتمدة من
نفس المسافة أو الطول، فإننا قد انتقلنا إلى مجال مايعرف بشبه القياس. وفي هذا
السياق يمكن على سبيل المثال، وضع خشيبات مختلفة الطول واحدة تلو الأخرى، ولصيقة
لها مباشرة، لقياس طول الطاولة في حالة غياب المتر أو جزء من أجزائه المعروفة
والتوصل إلى معرفة عدد الخشيبات في المسافة المقصودة. في هذه الحالة لاتتوفر
الخشيبات على طول موحد ولا يمكن بذلك اعتبار أية منها وحدة للقياس، إننا إذن في
مجال شبه القياس.لأننا لانعرف الطول الحقيقي لأية خشيبة لعدم توفرنا على أية وحدة
مرجعية للقياس... ترى أن إدراك القيمة الحقيقية للشيء يتطلب معرفة مدلول ومغزى
الأداة التي تم بها قياسه وكذا بعض المؤشرات القارة عندما نحتاج مقارنة نتائج
الملاحظة والقياس بخصوص صفات هذه القيمة، كما هو الأمر في التقييم التربوي.
وهنا بيت القصيد، فما رأيك مثلا، في إنجاز
تلميذ حصل على 56 نقطة في إحدى الاختبارات ؟ و لمزيد من المعلومات، فلنقل أن هذه
النقطة هي نتيجة الأجوبة الصحيحة في اختبار يتكون من 75 سؤالا أو مسالة. وهنا لابد من أن يتسائل
القارئ، أهي نتيجة أجوبة صحيحة من نفس مستوى الصعوبة وبنفس معامل التنقيط ؟ أم هي
نتيجة أسئلة متفاوتة الصعوبة ومختلفة المعاملات.
من المستحيل أن تكون الأمور على هذا المنوال،
ولو كانت كذلك فإن السؤال النموذج في هذا الاختبار قد لا يكون معروفا لدينا.
والمحتمل جدا هو اختلاف الأسئلة من حيث موضوعها ودرجة صعوبتها. إننا إذن في بداية طرح
إشكالية القياس في العلوم الإنسانية عامة، وفي مجال التربية والتعليم خاصة. ولكي
نتمكن من إعطاء مدلول ومغزى معقولين لنتائج القياس ( بل لنتائج شبه القياس، عندما
يتعلق الأمر بالحصيلة الدراسية ) لابد من اللجوء إلى إحدى مقاربات التأويل التي تم
تطويرها في مجال التربية و التعليم، خلال السنين الأخيرة، والتي تتجلى في
الطريقتين التاليتين:
§
طريقة موضعة نتيجة القياس بين باقي النتائج
المتوفرة حول قسم، أو عينة من التلاميذ.
§
طريقة مقارنة نتيجة القياس بمستوى، أو
بعلامة، أو بنمط تم اتخاذه كعتبة أو مقياس( critère ) للنجاح.
فإذا
اعتمدنا الطريقة الأولى وجدنا أنفسنا قد اخترنا القياس ذي التأويل المعياري
أما إذا اعتمدنا الطريقة الثانية، فإننا قد تبنينا القياس ذي التأويل المقياسي. ويجدر التنبيه هنا إلى أن الطريقتين معا لانجدهما إلا في مجال القياس المعتمد على المقاربات والمناهج الكمية في التقييم.
2- التأويل المعياري:
ندرك بسهولة نسبية أنه من الممكن إرفاق أو
استبدال نتيجة للقياس بالرتبة التي تحتلها بين مجموعة من النتائج التي هي من نفس
الصنف والعينة. ويمكن أيضا ترتيب تلاميذ قسم معين حسب نتائجهم في إحدى الاختبارات
أو الامتحانات الدراسية، وبصدد الحديث على الرتبة، لابد من الإشارة إلى أن الرتب
تعد أهم المؤشرات لمجمل الحالات المعروفة في التأويل المعياري. ..
ولتوضيح بعض
الجوانب من طبيعة التأويل المعياري نورد الأمثلة الآتية :
·
يمكن للتأويل المعياري أن يغطي على مواطن
القوة أو الضعف عند أفراد مجموعة من التلاميذ بعد إنجازهم لتمارين أو لاختبار معين
.
·
فالمشكل الذي تم طرحه سابقا من الأهمية بمكان،
بقدر مايكون عدد أفراد القسم أو المجموعة المستهدفة بالقياس والتقييم قليلا. حيث
أن احتلال مرتبة في اختبار عادي على مستوى القسم ونفس المرتبة في اختبار موحد على
المؤسسة شيئان جد مختلفين. واحتلال نفس الرتبة في امتحان على المستوى الوطني شيء
آخر ومختلف تماما.
·
ومع ذلك يبقى التأويل المعياري مفيدا
وضروريا في الحالات التي تتطلب انتقاء عدد محدود من الأفراد من بين أحسن وأجود
عناصر المجموعة أو العينة.
·
إن الغموض الذي يرافق الرتبة بخصوص الكشف كليا
وبصفة واضحة، على مؤهلات وكفايات التلميذ يجعل من التأويل المعياري منهجا غير صالح
للتقييم التكويني وغير موثوق فيه في غالب الحالات. إذ يعد من قبيل التهور أن نفكر
في تصنيف التلاميذ وعزل المتعثرين منهم لتزويدهم بحصص من الدعم قصد تعديل وتقويم
التعلم، بناء على معطيات معيارية فقط.
وانطلاقا من هذه
الملاحظة، كان لابد من التفكير في منهجية للقياس والتقييم تستجيب بما فيه الكفاية،
لمتطلبات الموضوعية والموثوقية، على مستوى التأويل بالخصوص، تمشيا مع مستلزمات
تعديل وتقويم التدريس والتعلم.
3- التأويل المقياسي:
عندما نقوم بمقارنة نتيجة للقياس أو نقطة في
اختبار ما بنتيجة مرتقبة أوعتبة للنجاح، وذلك بغض النظر عن باقي نتائج
التلاميذ الآخرين، فإننا في مجال القياس التربوي ذي التأويل المقياسي. ويترتب عن
عملية المقارنة هاته عادة، حكم باكتساب المعارف والمهارات المستهدفة في القياس
والتحكم فيها، إذا كانت نتيجة التلميذ تفوق أو تساوي عتبة النجاح أو النتيجة
المنتظرة المحددة.ونحكم بعدم النجاح والتحكم كلما كانت نتيجة التلميذ دون العتبة
المذكورة.
قد يكون بديهيا الإدلاء من جديد ، بالملاحظات
الواردة سابقا، بخصوص التأويل المعياري للنتائج، لأن أغلبها يجسد الوجه الآخر
للعملة عندما نطبق تلك الملاحظات على التأويل المقياسي. ومع ذلك، لابد من التنبيه
هنا إلى أن مدلول ومغزى حكم تقييمي بخصوص التحكم أو عدم التحكم ليس مرتبطا
باستعمال مقياس أو عتبة نجاح كنقطة للمقارنة فحسب. فالتأكيد على أن أحد التلاميذ
قد تجاوز نقطة الانتقال التي هي إعطاء الإجابات الصحيحة في 60 ℅
من الأجوبة المنتظرة، لكونه أجاب على 75 % من كافة أسئلة الاختبار العام في نهاية
السنة، هو التأكيد على نجاحه كما هو الشأن في التأويل المقياسي. يبقى أنه لابد من
إمكانية وصف قدرات هذا التلميذ وتحديد مواطن القوة والضعف في مكتسباته الدراسية.
وهو أمر ليس بالهين، حيث تكمن الصعوبة في تنوع واختلاف الأسئلة أو المسائل التي
تتكون منها، كما هي العادة أغلب امتحانات نهاية السنة الدراسية أو نهاية الفترة
الدراسية.
إن مجرد مقارنة نتيجة بعتبة للنجاح أو نقطة للانتقال ليس أكثر من أن نقوم بإجراء تأويل لامعياري ونفس العملية إذا أنجزت بواسطة اختبار أو تمرين يتكون من أسئلة أو من مسائل تنصب كلها في هدف تعليمي واحد ( كأن نختبر التلاميذ في عملية ضرب أعداد من رقمين ،أو في ملئ الفراغ في عدة جمل ) تتحول إلى عملية تأويل مقياسي بالمعنى الدقيق للعبارة.
وخلاصة القول أن التأويل المقياسي هو تأويل
يتميز بخاصيتين أساسيتين هما:
-
ربط إنجازات التلميذ ومقارنة نتائجه بمقياس أو عتبة نجاح مستقلة
عن نتائج باقي تلاميذ القسم أو العينة ....
-
الوصف الشامل والدقيق لقدرات و كفايات كل تلميذ ، من خلال
نتائجه الخاصة وبغض النظر عن حصيلة نتائج غيره من التلاميذ، قصد توجيه عملية الدعم
والتقوية الخاصة به.
خلاصة:
لقد تطورت منهجية التأويل المقياسي مع ظهور أنماط
من التغذية الراجعة ، وكذا أشكال من المقاربة التحليلية في القياس والتقييم التي
تسعى إلى تجاوز طريقة احتساب عدد الأجوبة الصحيحة ومقارنتها بغتبة نجاح معينة.
في بعض الحالات يتم استبدال النتيجة العامة
وتجاهل عتبة النجاح بغية تكوين مواصفات الحصيلة الدراسية وذلك بتقسيم المجال الخاص
بهدف تربوي معين مجال أو حقل التدريس والتعلم إلى معارف ومهارات دقيقة. متكاملة
ومنسجمة فيما بينها.
كما أن ملاحظة وتحليل الأخطاء الخاصة بتلميذ أو
بمجموعة قسم من التلاميذ ، وكذا التقييم الوصفي بخصوص الإنشاء والإنجازات المعقدة
ذات المستويات العليا من التفكير والإنتاج، تختلف تماما عن النموذج الأساسي الذي
كان يضرب به المثل طوال سنين عدة، في توضيح خصائص التقييم ذي التأويل المقياسي.
وعندما تصبح التغذية الراجعة الهدف الأول من عملية المراقبة والتأكد من حصول التعلم، لابد أن تصدر الأحكام بنوع من الحشمة والاعتدال. غير أن الروح الأساسية والتي كانت في الأصل لصيقة بالتقييم ذي التأويل المقياسي، لازالت كما هي ولم يمسها أي وهن، بل عرفت عكس ّلك تطورا ملموسا وتقوت مكانتها من بين أساليب القياس والتقييم الحديثة.
المصدر: المفاهيم والمصطلحات
الأساسية في التقييم التكويني للتعلم
تأليف : Gérard
Scallon و Jacynthe dobec
ترجمة وتكييف : الدكتور
محمد فاتحي
0 الرد على "التقييم التربوي : من الملاحظة إلى التأويل"
إرسال تعليق